You are currently viewing يوتوبيا (1) – بقلم: مهند أحمد موسى

يوتوبيا (1) – بقلم: مهند أحمد موسى

حرية التعبير:

هناك بعض الناس الذين يختلط عليهم الأمر كوننا ندافع عن حرية الآخرين وحقهم في طرح الأفكار، هذا نابع من كوننا أناس نقدس الحرية كمفهوم حقوقي لكل إنسان وهذا لا يعني أننا نؤمن بأفكارهم.

أنا ضد الكثير من الأفكار لكن هذا رأيي أنا، ولا يجب أن يُفرض على الآخرين. يجب أن نصل إلى مرحلة من الوعي عندما نحكم على الناس، وأن نتجرد من رغباتنا وأفكارنا وأهواءنا فنحن لسنا أوصياء على أحد.

من حق الجميع أن يعبر ومن حقك أن تقبل أو ترفض. أما مبدأ من لن يكون معي فهو ضدي مرفوضاً رفضاً قاطعاً. وهذا الرفض أيضاً يتضمن الثقة العمياء في كل ما أكتبه لأن مهمة الكاتب ليست في حمل القارئ على الثقة به، بل في حمله على التفكير معه. ما أرخص الأدب لو كان مثل السياسة طريقاً إلى اكتساب الثقة!!! لا. إن الأدب طريق إلى إيقاظ الرأي. لا أريد من أي قارئ لمقالاتي أن يطمئن إلى ولا أريد من كتابتي أن تريح الذي يقرأها. أريد أن يكمل كل من يقرأ ما أكتبه فتبدأ متاعبه. فيسد النقص الذي أحدثت.

أريد من الذي يقرأ لي أن يكون مكملاً لي، لا مؤمناً بي.. ينهض ليبحث معي ولا يكتفي بأن يتلقى عني.. إن مهمتي هي في تحريك الرؤوس.. وكل من يكتب، فقط يفتح لك ذهنك، ويعينك على اكتشاف الحقائق بنفسك لنفسك..

إن مهمتي في نظري، هي تربية الرأي، لذلك أرى من واجبي أن أصمت دائماً «هذا الصمت كله» عن نقد الناقدين، فالناقد صاحب رأي.. فكيف أصده وأنفره، بينما مهمتي في إيجاده وتشجيعه؟

قد يقول قائل إن من النقاد من يفسد فكرة الأثر الفني بجهله أو تجاهله وبغرضه أو تحامله.. ولكني أقول: (حتى هذا النوع من النقاد يعاونون على تربية الرأي من حيث لا يدرون ولا يريدون.. فالمطلع على النقد أحد فريقين: فريق يسلم ويصدق دون بحث أو تمحيص.. وهذا فريق من لا رأي له، أو من لم يهتم بعد بتربية الرأي فيه.. والفريق الآخر لا يقبل التصديق والتسليم قبل الرجوع إلى الأثر الفني يطالعه حراً من كل قيد ليستخلص رأياً فيه بنفسه لنفسه.. وهذا الفريق الأخير، على الرغم من قلته في بلداننا، هو أساس المجتمع الحر، الذي يسعى العلم دائماً في إقراره وتقويته).

ومادام هدفنا تربية الرأي فيجب أن نترك الناس أحراراً ينقدون… وبغير ذلك يكون مثلنا مثل ذلك الذي يكمم أفواه أطفاله ويضع في أيديهم وأقدامهم الأغلال خشية أن يملأوا البيت ضجيجاً، وينهالوا على التحف تحطيماً.. إنه لخير عندي أن يحطم أطفالي تحفي، وأن يؤذوا سمعي، من أن أشلّ عضلاتهم وأعطل نموهم.. إن الكاتب الذي يظن أن عمله إنهار لقولة قائل وجهوده ضاعت لكلمة ناقد، يهب جزعاً فزعاً يدافع ويفند، لهو كاتب يخلط بين شخصه وواجبه.. إن واجب الكاتب يحتم عليه أن ينزع شخصه من عمله.. وأن يدع هذا العمل لمصيره ينطلق وحده يحدث أثره في الناس..

وخير أثر يمكن أن يحدثه عمل في الناس، هو أن يجعلهم يفكرون تفكيراً حراً، وأن يدفعهم إلى تكوين رأي مستقل وحكم ذاتي. هكذا هو حال المجتمعات الحرة.

قبل فترة وجيزة يسألني أحدهم ويقول:(لماذا يسألونني عن رأيي في الوقت الذي يعلمون أن رأيي لا يتطابق مع رأيهم، وأكثر من ذلك أن رأيي لا يغير من الأمر شيئاً؟)، قلت له:(لأنهم يريدون إشارة إذعان، إنهم يفاوضونك ليقضوا على استقلالك، على حريتك؛ ليتأكدوا أنك تتطابق معهم، وإلا ستتعرض للإحراج النفسي، والسخرية والإقصاء، واشان السمعة. أما في حال نشوب حرب أهلية، أول شخص سيقتلونه هو أنت، لأنك لم تمتثل ولم تسايرهم).

عزيزي القارئ إن جوهر التقدم الإنساني والتطور البشري، هو الحرية، حرية الاختيار والتعبير، ونفي الإكراه بكل صوره وأشكاله، وغياب الحتميات التي تحول دون ممارسة الإرادة الإنسانية. فكل إنسان له دماغ خاص به و فريد من نوعه فمن الطبيعي أن تفكيره و فهمه للحياة سيكون مختلفاً عن فهم غيره .. ومع ذلك لا يزال في عصرنا من يتكلم ويفتي ويصدر الأوامر نيابة عن عقول الآخرين فكأنه يلمِّح إلى أن عقله كامل ويرى الحقيقة كاملة بينما عقول الآخرين ناقصة ولا ترى إلا أنصاف الحقائق وهذا من المغالطات المنطقية التي دمرت أجيال كثيرة متعاقبة.

لذلك عزيزي الإنسان لا تدع أياً كان يفكر بدلاً عنك ويملي عليك ما الذي ينبغي أن تؤمن به وتعتقد بصحته مهما كانت صفته وانتماء اته ودرجاته العلمية والفكرية ببساطة لأن عقلك ليس كعقله ودماغك ليس كدماغه فمن الطبيعي أن تكون رؤيتك مغايرة لرؤيته حتى لو كنت في واقع ظالم يلعن الاختلاف كن أنت بعقلك وروحك الخاص فالاحتفاء بفرادتك واعتزازك بها هو التقدير الأسمى لصناعة الخالق.

اترك تعليقاً