يواجه السودان في ظل الحرب الجارية أزمة مركبة تمس كافة مناحي الحياة حيث تسببت المواجهات المسلحة في تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
يهدف هذا المقال إلى تحليل تأثير الحرب على مسارات التنمية في السودان مع استشراف الفرص الممكنة التي يمكن البناء عليها في مرحلة ما بعد الحرب.
مقدمة: شهد السودان خلال العقود الأخيرة سلسلة من الأزمات المتشابكة غير أن الحرب الحالية التي اندلعت بين المكونات العسكرية مثلت تحدياً استثنائياً لجهود التنمية المستدامة. فالحرب لم تعد مجرد نزاع مسلح بل تحولت إلى أزمة إنسانية واقتصادية وسياسية تعيق بناء الدولة وتضعف قدرتها على استغلال مواردها الهائلة.
يناقش هذا المقال ثلاثة محاور رئيسية:
- انعكاسات الحرب على التنمية في السودان.
- التحديات التي تفرضها الأزمة الحالية.
- الفرص المتاحة لإعادة البناء وإحداث التنمية.
المحور الأول: أثر الحرب على التنمية في السودان:
- الأثر الاقتصادي:
(أ) انكماش الناتج المحلي: أدت الحرب إلى توقف أنشطة الإنتاج الزراعي والصناعي مما تسبب في تراجع كبير في الناتج المحلي الإجمالي.
(ب) انهيار الجنيه والتضخم: تدهور قيمة الجنيه السوداني وارتفاع أسعار السلع الأساسية خلق بيئة اقتصادية غير مستقرة.
(ج) تعطل التجارة الخارجية: إغلاق الموانئ والمطارات وتدهور طرق النقل انعكس سلباً على حركة الاستيراد والتصدير.
(د) تعطل الأجهزة الإرادية للدولة: والذي انعكس على ضعف تمويل الأنشطة الحكومية والاستجابة للخدمات العامة.
- الأثر الاجتماعي:
(أ) نزوح ولجوء ملايين السودانيين إلى دول الجوار شكل تحدياً إنسانياً واقتصادياً واجتماعياً كبيراً.
(ب) تدهور الصحة والتعليم: إغلاق المدارس والمستشفيات أوجد فجوات واسعة في رأس المال البشري.
(ج) تآكل النسيج الاجتماعي: تصاعد النزاعات القبلية وتراجع مؤسسات الدولة ساهم في تفكيك البنية الاجتماعية بالإضافة إلى زيادة مستويات الانقسام المجتمعي نتيجة لما انتجته الحرب من خطاب كراهية حاد.
- الأثر السياسي:
(أ) الحرب أدت إلى إضعاف مؤسسات الدولة المدنية وتراجع سيادتها على الأرض.
(ب) فقدان ثقة المجتمع الدولي بتقلص الدعم الخارجي نتيجة لعدم الاستقرار السياسي وأزمة الشرعية وبالتالي توقف دعم الصناديق الدولية عن تمويل الخدمات والمشروعات.
المحور الثاني: التحديات أمام التنمية في ظل الحرب:
- انعدام الأمن والاستقرار: لا يمكن لأي تنمية أن تحدث في بيئة يسودها العنف.
- تآكل رأس المال البشري: هجرة العقول والكفاءات وحرمان الأجيال من التعليم.
- تضاؤل الاستثمارات: غياب بيئة آمنة وشفافة يبعد رؤوس الأموال المحلية والأجنبية.
- الأزمة الإنسانية: تزايد الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي.
- غياب الرؤية الوطنية الجامعة: انقسام القوى السياسية والعسكرية يعرقل بناء مشروع تنموي موحد.
المحور الثالث: الفرص المتاحة لإعادة البناء وإحداث التنمية.
رغم التحديات يظل السودان غنياً بالموارد والإمكانات التي يمكن أن تشكل قاعدة لنهضة مستقبلية:
- الزراعة: السودان يمتلك أكثر من 200 مليون فدان صالحة للزراعة ومياهاً وفيرة من النيل والأمطار.
- الموارد المعدنية: الذهب والمعادن الأخرى تشكل مورداً استراتيجياً يمكن أن يسهم في إعادة بناء الاقتصاد.
- الطاقة المتجددة: توفر الشمس والرياح إمكانيات كبيرة للاستثمار في الطاقة النظيفة.
- المغتربين: يمكن أن يكونوا رافداً مهماً عبر التحويلات المالية ونقل الخبرات.
أخيراً تمثل عملية إعادة بناء ما دمرته الحرب ليست مجرد عملية ترميم بل فرصة تاريخية لإطلاق مشاريع بنية تحتية وتنموية كبرى تعيد الحياة للمجتمع. فإعادة الإعمار يمكن أن تسهم في تحديث الطرق والمرافق العامة وتحسين الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والمياه. كما تفتح الباب لجذب الاستثمارات وتوفير فرص عمل واسعة بما يضع أسس قوية لتنمية مستدامة وغد أفضل.